#1
|
|||
|
|||
عثمان بن عفان.. صدقته الجارية لم تنقطع منذ 1400 سنة
بداية، بموقعُ الصدقةٍ الجاريةٍ التي لم تنقطع منذ أكثرَ من ألفٍ وأربعمئة سنة. صاحبُ هذه الصدقة هو الصحابي والخليفة الثالث عثمان بن عفان، وهي نموذجٌ للبذل والعطاء الذي تميز به هذا الرجل. ففي الشمال الغربيّ من المدينة المنوّرة، وعلى بُعْدِ نحوِ خمسة كيلومترات من المسجد النّبويّ، هنالك موقعٌ يسمى بئرَ عثمان، كان يُعْرَفُ في العهدِ النبوي باسم بئرَ رُومَة. هذه البئر كانت لها قصةٌ ترتبط بوقائعِ الهجرة، وتطورِ المجتمعِ المدني بعدها، واحتياجاتِه المتزايدةِ للمواردِ المائية. يقول حسن شاهين لـ"العربية": كان يمتلكها رجل يمنع الناس من الشرب منها إلا بثمن يدفع له كان ماؤها جميلا وكان النبي (ص) يستعذب هذا الماء فتكلم مع صاحب هذه البئر بأنه يترك الناس يشربوا منها وله بها بئر في الجنة فقال هي بئر لي ولأولادي ونكسب من ورائها . بلغ هذا الأمرُ عثمان بنَ عفّان، وكان من أجودِ الصحابةِ، وأكثرِهم ثراء، فاشتراها بخمسةٍ وثلاثين ألفَ درهم، وأوقفَها في سبيلِ الله. وقد ظلت هذه البئرُ مَعْلَماً تاريخياً، وأُهملت في بعض الأوقات ثم جُددت وبنيت جدرانُها، وأُدخلت عليها إصلاحاتٌ كثيرة. ويقال إن عثمانَ وُلِدَ ونشأ في الطائف، وكان لهذه النشأةِ تأثيرٌ في صِفاته الرقيقة. وسواءٌ نشأ عثمان في الطائفِ أو في مكة، فإن الأمرَ المؤكد أنه نشأَ في أسرةٍ ثرية، ذاتِ تجارةٍ واسعة، كما هو شأنُ أُسَرِ قريش التي اشتهرت بالتجارة. والفرعُ الأُموي من قريش، الذي يلتقي مع النبي صلى الله عليه وسلم في عبدِ مَناف، كانت له مكانةٌ قياديةٌ مرموقة في مكة. أسلم عثمانُ بعد البِعثة النبوية مباشرةً، وهو وفي الثلاثين من عُمُره، وكان لأبي بكرٍ دورٌ في إسلامِه. وعندما تعرَّض المسلمون الأوائل لاضطهادٍ شديد في مكة، كان عثمانُ أولَ مهاجرٍ إلى الحبشة. وكانت الهجرة إليها تتمُ عن طريقِ ميناءِ الشُعَيْبة إلى الجنوب الغربي من مكة. يقول الدكتور صفوت حجازي: كون النبي (ص) يجمع لعثمان إبنتيه ولو كان عندي الثالثة لأعطيته إياها ده يعطينا مؤشر أن رسول الله (ص) يجد في عثمان مكارم الأخلاق. وبعد هجرةِ عثمانَ إلى المدينة، واصَلَ مساندَته للنبيِّ والمسلمين بكلِّ ما يملك، ولم يتخلفْ عن أيِّ مواجهة، باستثناءِ معركةِ بدرٍ بإذنٍ من الرسول. وظل عثمان في العهد النبوي وفيما بعده، رمزاً للبذل والعطاء والمَهامِّ الصعبة. وقد تجلى ذلك في تجهيزِه جيشَ العُسْرة، الذي قَصَد تبوك في السنة التاسعةِ للهجرة، لمواجهة حشودِ الرومِ، في ظروفٍ عسيرة. عثمان .. الخليفة كان عثمانُ نِعْمَ العونِ لأبي بكر وعمر، ومن كبار أهلِ الشورى. ثم وقعَ الاختيارُ عليه ليكونَ خليفةً بعد اغتيالِ عُمَر، وكان عثمانُ حينذاك في الثامنةِ والستين من عُمُرِهْ. ويقول الدكتور عائض القرني: كانت البيعة في الستة الذين توفى النبي (ص) وهو عنهم راض يعني بقي بعد أبي بكر وعمر يعني ثماني لكن مات اثنان منهم فبقي ستة فدارت بينهم إلى أن صفت بين عثمان وعلي وإبن عوف رضي الله عنه. شاور الناس قال حتى ما تركت الجارية وشاورتها ورأيت أن الناس يقبلون بعثمان رضي الله عنه فهو كان كبير في السن وكثير البذل ومن أهل القرآن رضي الله عنه . وفي عهدِ عثمان فُتحت بلدانٌ كثيرة، وأنشأَ أولَ قوةٍ بَحْرِيةٍ إسلامية، تمَّ بها فتحُ قبرص. كما أقام كثيراً من المعسكراتِ الثابتةِ للجيوش المقاتلة. وكان من أبرزِ إنجازاتِه نَسْخُ سبعِ نُسَخٍ من القرآنِ الكريم وتوزيعُها على الأمصار، اعتماداً على النسخةِ الأم، التي جُمِعتْ في عهدِ أبي بكر. كما واصلَ عثمانُ تطويرَ مؤسساتِ الدولة، استكمالاً للجهودِ التي بدأتْ في عهد عمر، واهتم بشكلٍ خاصٍ بمؤسسةِ القضاء. عهدُ عثمان وسياساتُه المالية واتساعُ الدولة، أدتْ إلى رخاءٍ عام. وهي حالٌ لم تكنْ لتُرضيَ بعضَ الصحابةِ الذين اعتادوا على التقشف. فبدأت تظهرُ حركاتٌ معارِضة. وساهمت مكائدُ خارجيةٌ في استغلال ذلك. وأدى هذا إلى ما عُرِفَ في التاريخ الإسلامي بالفتنةِ الكبرى، التي بدأتْ باغتيال عثمان. كان من أبرز المُحَرِّضين يهوديٌ اسمُه عبدُ الله بنُ سبأ. وقد تمكنَ مع آخرين من تأليبِ فريقٍ من أبناءِ الصحابةِ على عثمان. كان عثمانُ قادراً على قمعِ التمرد، لكنه لجأَ إلى الحوار، ونَزَع حُجَجَ المتمردين، إلا أنهم واصلوا مكيدَتهم التي انتهتْ بقتله. لقد قتل عثمانُ مظلوما، وهو الخليفةُ الثاني الذي يُقتل بعد عمر. ودُفن رضي الله عنه في مقبرةِ البقيع. مات عثمان رضي الله عنه وهو في الثانيةِ والثمانين من عُمُرِه. لكنَّ ذكراهُ ستظلُ خالدةً من خلال صفاتِه العظيمة، في مروءته وكرمِه وزهدِه وتواضعه وحِلْمِه وصبرِه وعُلُوِّ هِمَّتِه، وحِرصِه على مَنعِ إراقةِ دماءِ الناس، حتى وهو مُهدَد بالخطر. رحم الله ذا النُوريْن، ورضي عنه وأرضاه. |
|
|