#1
|
||||
|
||||
مكانة النبيّ صلى الله عليه وسلم وأزواجه
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، قرأ الإمامُ في صلاةِ فجر اليوم الآيات من سورة الأحزاب بدءاً من قوله تعالى: (من المؤمنين رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلاً) وانتهاءاً إلى قوله تعالى: (واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة إن الله كان لطيفاً خبيراً) ثمّ علّق عليها بعد الصلاة بكلماتٍ أنقلُ إليكم منها ما حفظته الذاكرةُ: - خاطب الله جميع أنبيائه بأسماءهم حين ناداهم مثل (يا عيسى ...)، (يا موسى ...)، (يا نوح ...)، ...، إلا أنّه نادى محمداً صلى الله عليه وسلم دائماً بصفته النبي أو الرسول: (ياأيّها النبيّ ...)، (يا أيّها الرسول ...)، ولم يرد اسمه صلى الله عليه وسلم "محمد" هكذا إلا في مواضع لم يكن فيها نداءٌ للنبيّ صلى الله عليه وسلم، وهذا لمكانته صلى الله عليه وسلم عند ربه فهو سيّد ولد آدم. - مكانة وكرامة أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بانتسابهن إليه، ولذلك خاطبهنّ الله عزّ وجلّ بقوله: (يا نساء النبي ...) وجعلهنّ أمّهاتٍ للمؤمنين لأنهنّ أزواجُه: (النبيّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم ...) - تزوّج النبي صلى الله عليه وسلّم أمّ المؤمنين خديجة رضي الله عنها ولم يتزوج غيرها في حياتها، وذكر ابن حجر رضي الله عنه أن ذلك كان من إكرام النبي صلى الله عليه وسلم لها، واتخذ بعض العلماء هذا شاهداً على أنّ الأصل في الزواج هو الإفراد وليس التعدّد، حيث دام زواج النبي صلى الله عليه وسلم معها خمساً وعشرين سنة. - تزوّج النبيّ صلى الله عليه وسلّم بعد وفاة أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها غيرَها لأسبابٍ كثيرةٍ مختلفة حتى قال الله تعالى له: (لا يحلّ لك النساء من بعد ولا أن تبدّل بهنّ من أزواج ولو أعجبك حسنهنّ ...)، وقد خصّه الله عزّ وجلّ بأن أجاز له دون سائر المؤمنين أن يتزوج أكثر من أربعة. - أزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم مطهَّراتٌ بتطهير الله عزّ وجلّ لهنّ حين قال: (... إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً) وخُصّت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بتبرئة خاصة في حادثة الإفك التي وردت في سورة النور بدءاً من الآية الحادية عشر، وعليه فليس لأحدٍ يؤمنُ بالقرآن فضلاً عن السنة أن يتكلم بسوءٍ في أمهات المومنين أو إحداهنّ. - من أمهات المؤمنين من كانت أماً لأبيها بهذا المعنى كعائشة بنت أبي بكر رضي الله عنهما وحفصة بنت عمر رضي الله عنهما. - كما أنه كانت هناك خصوصيات للنبي صلى الله عليه وسلم دون أصحابه والمؤمنين، فإنّ هناك خصوصيات لأزواجه أمهات المؤمنين رضي الله عنهنّ، منها مثلاً أن لا يتزوجن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد ذهب بعض العلماء إلى أنّ الخطاب في عدد من آيات سورة الأحزاب إنما هو لأمهات المؤمنين فقط مثل: (وقرن في بيوتكن ...) و (... وإذا سألتموهنّ متاعاً فاسألوهنّ من وراء حجاب ... التوقيع : |
#2
|
||||
|
||||
سألت الشيخ بعد صلاة فجر اليوم فأجابني بالآتي: - الخطاب في الآيات واضحٌ ومحدَّدٌ لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم فقط، ومن أخرجه عن هذا الخصوص عليه أن يأتي بالدليل. - لا يقالُ هنا أن "العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب" لأن اللفظَ لم يأت عامّاً. - فَهِمَ جيلُ الصحابة وأمّهاتُ المؤمنين رضي الله عنهم الخطابَ على خصوصه وعاشوه في حياتهم، فكانوا يأخذون حديث أمّهات المؤمنين وبالذات أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها من وراء حجاب، ولم تخرج أمهات المؤمنين بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم إلا للحجّ أو ما كان من خروج أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها حرصاً منها على شؤون المسلمين (في خلافة عليّ رضي الله عنه). - الحجاب المقصود في الآية هو "الساتر" أو "الحاجز" وليس ما تعارف عليه النّاسُ اليوم من لباس المرأة المسلمة. - الذين وسَّعوا الخطاب في الآيتين أخذوا إما بالقياس أو بسدّ الذرائع، فأخذُهم ليس مباشراً من الآيتين! - حين أراد الله عز وجل أن يشمل نساء المؤمنين بالخطاب في سورة الأحزاب ذكرهن تحديداً فقال في الآية 59: (يا أيها النبيّ قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ...)، والخلاف في تفسير هذه الآية وأختها في سورة النور: (... وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها ...) معلومٌ في القديم والحديث بين مجيزين ومانعين لكشف المرأة المسلمة وجهها. - هناك أحاديث نبوية وتطبيقات عملية في تاريخ المسلمين تدل على مشاركة النساء الرجال في الحياة العامة وعدم وجود "الحجاب" بمعنى "الساتر" أو "الحاجز" وعدم وجود "القرار في البيوت"، طبعاً مع الالتزام بالأوامر الشرعية الأخرى من غض البصر والقول المعروف وعدم اللمس والزي الشرعي. ومن أشهر الأحاديث قصة سلمان رضي الله عنه وكلامه مع أم الدرداء رضي الله عنها زوجة أخيه أبي الدرداء رضي الله عنه. - أرشدني الشيخ في الختام أن أرجع إلى كتب الفقه والتفسير، فإن وجدتُّ فيها مزيداً أثبتُّه هنا إن شاء الله تعالى. دمتِ بخير وكلّ قارئ وقارئة لهذا الكلام. التوقيع : |
#3
|
||||
|
||||
مهلاً أختي الكريمة فلستُ بشيخِكم! أما عن الكرم فأسأل الله أن يجعل لي منه نصيباً! أشكرك بدايةً جزيل الشكر على المتابعة والتعليق. لي ملاحظات أربعة على هامش "سدّ الذرائع": - ليس هناك إجماعٌ بين الفقهاء لا في القديم ولا في الحديث على اتخاذ "سدّ الذرائع" دليلاً شرعياً (هذا فيما أعلم، وأنا لا أعلم إلا القليل!) - إذا استندنا إلى "سدّ الذرائع" كدليلٍ شرعيّ فلسنا بحاجة إلى آية أو حديث وإنما الذي يحكمنا حينها هو الواقع والفساد الذي قد ينشأ عن بعض "الذرائع" فنعمد إلى "سدّها"! - قد يتركُ الإنسان في خاصّة نفسه بعض الأشياء "تورّعاً" أما أن يُلزمَ بها الجميعَ حكماً شرعياً فقد يؤدّي ذلك إلى عُسرٍ في التطبيق تأباه روحُ الشريعة المبنية على التيسير. - إذا توسّعنا في "سدّ الذرائع" فقد نقول بحرمة أو كراهة الكتابة في هذا المنتدى لأنه قد يؤدي إلى "فساد"، خصوصاً مع مشاركة الجنسين! أما عن عموم اللفظ في الآيات فلا أسلّمُ به لأن السياقَ كما قلتُ خاصٌّ، وقد وردت في الآيتين أحكام أو توجيهات خاصة بأمّهات المؤمنين رضي الله عنهنّ مثل (ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبداً) أو (واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة). التوقيع : |
#4
|
||||
|
||||
أقول بدايةً: من المهم أن تكون لدينا الشجاعة الأدبية أن نقول ما نعتقد أنّه الصواب، ومن المهم أيضاً أن تكون لدينا الشجاعة الأدبية أن نرجع عنه أو نعيد النظر فيه إن تبين أنه غير الصواب أو أن غيره الصواب! وقد اختلف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في فهم بعض كلامه في حياته فرجعوا إليه، واختلفوا أيضاً بعد لحوقه صلى الله عليه وسلّم بالرفيق الأعلى، واختلف بعدهم التابعون وتابعو التابعين! وقد قَبِلنا نحن أهل السنة أربعةً من المذاهب الفقهية المختلفة إلى جوار الأخذ ممّن ليس له مذهب فقهي كالليث بن سعد والأوزاعي وسفيان الثوري وغيرهم رضي الله عنهم جميعاً! التوقيع : |
#5
|
||||
|
||||
أنقل إليكم الآن أقوال أربعة من المفسرين، تعمدتّ أن يكونوا من المعاصرين وأن يكونوا من أنحاء مختلفة من عالمنا الإسلامي الفسيح: قال الشيخ سعيد حوّى، رحمه الله، صاحب "الأساس في التفسير": وهكذا نلاحظ أن الأوامر قد صدرت لزوجات الرسول صلى الله عليه وسلم وهنّ القدوة العليا للمسلمات: 1- بإرادة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم والدار الآخرة 2- بالتنزّه عن الفواحش كلها 3- بعدم الخضوع بالقول واللين فيه، هذا مع الكلم الطيب 4- القرار في البيوت، إلا لحاجة مشروعة، وعدم التبرج 5- إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة 6- ذكر الكتاب والسنة وقال الشيخ محمد الطاهر بن عاشور، رحمه الله، صاحب "التحرير والتنوير": (وقرن في بيوتكنّ) هذا أمر خصِّصْنَ به وهو وجوب ملازمتهن بيوتهن توقيراً لهنّ، وتقوية في حرمتهن، فقرارهنّ في بيوتهن عبادة، وأن نزول الوحي فيها وتردد النبي صلى الله عليه وسلم في خلالها يكسبها حرمة. وقد كان المسلمون لمّا ضاق عليهم المسجد النبويّ يصلّون الجمعة في بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث "الموطّأ". وهذا الحكم وجوب على أمّهات المؤمنين وهو كمالٌ لسائر النساء. وقال: وبهذه الآية مع الآية التي تقدمتها من قوله: (يا نساء النبي لستن كأحد من النساء ...) تحقّق معنى الحجاب لأمهات المؤمنين المركبُ من ملازمتهن بيوتهن وعدم ظهور شيء من ذواتهن حتى الوجه والكفين، وهو حجاب خاص بهن لا يجب على غيرهن، وكان المسلمون يقتدون بأمّهات المؤمنين ورعاً وهم متفاوتون في ذلك على حسب العادات. وقال الشيخ أحمد مصطفى المراغي، رحمه الله، في تفسيره "تفسير المراغي": بعد أن ذكر ما اخْتُصَّ به أمهات المؤمنين من مضاعفة العذاب والثواب، أردف ذلك بيان أن لهنّ مكانة على بقية النساء، ثمّ نهاهنّ عن رخامة الصوت ولين الكلام إذا هنّ استقبلن أحداً حتى لا يطمع فيهن مَن في قلبه نفاق، ثم أمرهن بالقرار في بيوتهن ونهاهنّ عن إظهار محاسنهنّ كما يفعل ذلك أهل الجاهلية الأولى، ثم أمرهنّ بأهمّ أركان الدّين، وهو إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وطاعة الله ورسوله فيما يأمر وينهى، لأنه تعالى أذهب الإثم عن أهل البيت وطهّرهم تطهيراً، ثم أمرهن بتعليم غيرهنّ القرآن وما يسمعنه من النبيّ صلى الله عليه وسلم من السنّة. ثم قال: (وقرن في بيوتكن) أي الزمن بيوتكن، فلا تخرجن لغير حاجة، وهو أمرٌ لهنّ ولسائر النساء. وقال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي، رحمه الله، في تفسيره "تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان": يقول تعالى: (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ) خطاب لهن كلهن (لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ) اللّه، فإنكن بذلك، تفقن النساء، ولا يلحقكن أحد من النساء، فكملن التقوى بجميع وسائلها ومقاصدها. فلهذا أرشدهن إلى قطع وسائل المحرم، فقال: (فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ) أي: في مخاطبة الرجال، أو بحيث يسمعون فَتَلِنَّ في ذلك، وتتكلمن بكلام رقيق يدعو ويطمع (الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ) أي: مرض شهوة الزنا، فإنه مستعد، ينظر أدنى محرك يحركه، لأن قلبه غير صحيح فإن القلب الصحيح ليس فيه شهوة لما حرم اللّه، فإن ذلك لا تكاد تُمِيلُه ولا تحركه الأسباب، لصحة قلبه، وسلامته من المرض. بخلاف مريض القلب، الذي لا يتحمل ما يتحمل الصحيح، ولا يصبر على ما يصبر عليه، فأدنى سبب يوجد، يدعوه إلى الحرام، يجيب دعوته، ولا يتعاصى عليه، فهذا دليل على أن الوسائل، لها أحكام المقاصد. فإن الخضوع بالقول، واللين فيه، في الأصل مباح، ولكن لما كان وسيلة إلى المحرم، منع منه، ولهذا ينبغي للمرأة في مخاطبة الرجال، أن لا تلِينَ لهم القول. ولما نهاهن عن الخضوع في القول، فربما توهم أنهن مأمورات بإغلاظ القول، دفع هذا بقوله: (وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا) أي: غير غليظ، ولا جاف كما أنه ليس بِلَيِّنٍ خاضع. وتأمل كيف قال: (فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ) ولم يقل: (فلا تَلِنَّ بالقول) وذلك لأن المنهي عنه، القول اللين، الذي فيه خضوع المرأة للرجل، وانكسارها عنده، والخاضع، هو الذي يطمع فيه، بخلاف من تكلم كلامًا لينًا، ليس فيه خضوع، بل ربما صار فيه ترفع وقهر للخصم، فإن هذا، لا يطمع فيه خصمه، ولهذا مدح اللّه رسوله باللين، فقال: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ) وقال لموسى وهارون: (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) ودل قوله: (فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ) مع أمره بحفظ الفرج وثنائه على الحافظين لفروجهم، والحافظات، ونهيه عن قربان الزنا، أنه ينبغي للعبد، إذا رأى من نفسه هذه الحالة، وأنه يهش لفعل المحرم عندما يرى أو يسمع كلام من يهواه، ويجد دواعي طمعه قد انصرفت إلى الحرام، فَلْيَعْرِفْ أن ذلك مرض. فَلْيَجْتَهِدْ في إضعاف هذا المرض وحسم الخواطر الردية، ومجاهدة نفسه على سلامتها من هذا المرض الخطر، وسؤال اللّه العصمة والتوفيق، وأن ذلك من حفظ الفرج المأمور به. (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ) أي: اقررن فيها، لأنه أسلم وأحفظ لَكُنَّ، (وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى) أي: لا تكثرن الخروج متجملات أو متطيبات، كعادة أهل الجاهلية الأولى، الذين لا علم عندهم ولا دين، فكل هذا دفع للشر وأسبابه. ولما أمرهن بالتقوى عمومًا، وبجزئيات من التقوى، نص عليها لحاجة النساء إليها، كذلك أمرهن بالطاعة، خصوصًا الصلاة والزكاة، اللتان يحتاجهما، ويضطر إليهما كل أحد، وهما أكبر العبادات، وأجل الطاعات، وفي الصلاة، الإخلاص للمعبود، وفي الزكاة، الإحسان إلى العبيد. ثم أمرهن بالطاعة عمومًا، فقال: (وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) يدخل في طاعة اللّه ورسوله، كل أمر، أُمِرَا به أمر إيجاب أو استحباب. (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ) بأمركن بما أَمَرَكُنَّ به، ونهيكن بما نهاكُنَّ عنه، (لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ) أي: الأذى، والشر، والخبث، يا (أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) حتى تكونوا طاهرين مطهرين. أي: فاحمدوا ربكم، واشكروه على هذه الأوامر والنواهي، التي أخبركم بمصلحتها، وأنها محض مصلحتكم، لم يرد اللّه أن يجعل عليكم بذلك حرجًا ولا مشقة، بل لتتزكى نفوسكم، ولتتطهر أخلاقكم، وتحسن أعمالكم، ويعظم بذلك أجركم. ولما أمرهن بالعمل، الذي هو فعل وترك، أمرهن بالعلم، وبين لهن طريقه، فقال: (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ) والمراد بآيات اللّه، القرآن. والحكمة، أسراره. وسنة رسوله. وأمرهن بذكره، يشمل ذكر لفظه، بتلاوته، وذكر معناه، بتدبره والتفكر فيه، واستخراج أحكامه وحكمه، وذكر العمل به وتأويله. (إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا) يدرك أسرار الأمور، وخفايا الصدور، وخبايا السماوات والأرض، والأعمال التي تبين وتسر. ثم قال في الآية 53: يأمر تعالى عباده المؤمنين، بالتأدب مع رسول اللّه ـ صلى الله عليه وسلم ـ في دخول بيوته فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ) أي: لا تدخلوها بغير إذن للدخول فيها، لأجل الطعام. وأيضًا لا تكونوا (نَاظِرِينَ إِنَاهُ) أي: منتظرين ومتأنين لانتظار نضجه، أو سعة صدر بعد الفراغ منه. والمعنى: أنكم لا تدخلوا بيوت النبي إلا بشرطين: الإذن لكم بالدخول، وأن يكون جلوسكم بمقدار الحاجة، ولهذا قال: (وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ) أي: قبل الطعام وبعده. ثم بين حكمة النهي وفائدته فقال: (إِنَّ ذَلِكُمْ) أي: انتظاركم الزائد على الحاجة، (كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ) أي: يتكلف منه ويشق عليه حبسكم إياه عن شئون بيته، واشتغاله فيه (فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ) أن يقول لكم: (اخرجوا) كما هو جاري العادة، أن الناس ـ وخصوصًا أهل الكرم منهم ـ يستحيون أن يخرجوا الناس من مساكنهم، (و) لكن (اللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ) فالأمر الشرعي، ولو كان يتوهم أن في تركه أدبا وحياء، فإن الحزم كل الحزم، اتباع الأمر الشرعي، وأن يجزم أن ما خالفه، ليس من الأدب في شيء. واللّه تعالى لا يستحي أن يأمركم، بما فيه الخير لكم، والرفق لرسوله كائنًا ما كان. فهذا أدبهم في الدخول في بيوته، وأما أدبهم معه في خطاب زوجاته، فإنه، إما أن يحتاج إلى ذلك، أو لا يحتاج إليه، فإن لم يحتج إليه، فلا حاجة إليه، والأدب تركه، وإن احتيج إليه، كأن يسألن متاعًا، أو غيره من أواني البيت أو نحوها، فإنهن يسألن (مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ) أي: يكون بينكم وبينهن ستر، يستر عن النظر، لعدم الحاجة إليه. فصار النظر إليهن ممنوعًا بكل حال، وكلامهن فيه التفصيل، الذي ذكره اللّه، ثم ذكر حكمة ذلك بقوله: (ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) لأنه أبعد عن الريبة، وكلما بعد الإنسان عن الأسباب الداعية إلى الشر، فإنه أسلم له، وأطهر لقلبه. فلهذا، من الأمور الشرعية التي بين اللّه كثيرًا من تفاصيلها، أن جميع وسائل الشر وأسبابه ومقدماته، ممنوعة، وأنه مشروع، البعد عنها، بكل طريق. ثم قال كلمة جامعة وقاعدة عامة: (وَمَا كَانَ لَكُمْ) يا معشر المؤمنين، أي: غير لائق ولا مستحسن منكم، بل هو أقبح شيء (أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ) أي: أذية قولية أو فعلية، بجميع ما يتعلق به، (وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا) هذا من جملة ما يؤذيه، فإنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ له مقام التعظيم، والرفعة والإكرام، وتزوج زوجاته [بعده) مخل بهذا المقام. وأيضا، فإنهن زوجاته في الدنيا والآخرة، والزوجية باقية بعد موته، فلذلك لا يحل نكاح زوجاته بعده، لأحد من أمته. (إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا) وقد امتثلت هذه الأمة، هذا الأمر، واجتنبت ما نهى اللّه عنه منه، وللّه الحمد والشكر. التوقيع : |
#6
|
||||
|
||||
__________________
أنا لست متكبره...ومن يراني
هكذا هو الذي يرى نفسه صغيرا بجانبي كل مافي الأمر أني ترفعت عن الكثير حين اكتشفت أن الكثير لا يستحق النزول إليه |
|
|