إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 04-03-2011, 02:19 PM
الصورة الرمزية عشوووق
عشوووق غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Oct 2009
الدولة: JORDAN ~
المشاركات: 2,209
عشوووق is a glorious beacon of lightعشوووق is a glorious beacon of lightعشوووق is a glorious beacon of lightعشوووق is a glorious beacon of lightعشوووق is a glorious beacon of lightعشوووق is a glorious beacon of light
افتراضي غزوة خيبر

السلام عليكم ورحمة الله

في الطريق إلى خيبر




وقوف يهود خيبر ضد الإسلام
[COLOR="DarkGreen"]خيبربعد أن قام النبي بمراسلة قادة وزعماء العالم، وإعلان العالم كله بهذا الدين الجديد، قام الرسول صلى الله عليه وسلم بفتح ملف خيبر. وخيبر -كما نعلم جميعًا- هي من أكبر التجمعات اليهودية في الجزيرة العربية، وملف اليهود مع الرسول صلى الله عليه وسلم بصفة عامَّة أسود، بل شديد السواد، وهذه السِّمة قد وَسَمَتْ كل فترات المعاملات، سواء في السِّلم أو في الحرب.



وكانت هناك معاهدة مع يهود المدينة المنورة: يهود بني قينقاع وبني النضير وبني قريظة، ولكن اليهود كان دأبهم الخيانة، وكان الأصل في الأمور والأصل في التعامل هو خيانة اليهود المتكررة، والتشكيك المستمر في دين الإسلام، ومحاولة إثارة الفتنة على الدوام. ثم تطور الأمر -كما تعلمون- إلى معارك حقيقية بين المسلمين ويهود القبائل الثلاثة، وانتهى الأمر بإجلاء قبيلتي بني قينقاع وبني النضير، وقتل رجال القبيلة الثالثة بني قريظة، ولم يبقَ من تجمعات اليهود الكبرى في الجزيرة إلا تجمع خيبر، وما حولها من تجمعات أصغر منها، مثل تجمع تيماء وتجمع فدك ووادي القرى، ولكن التجمع الرئيسي كان تجمع خيبر؛ وهذا التجمع الكبير كان من أكبر التجمعات اليهودية مطلقًا، والذي ازداد قوة بعد إجلاء يهود بني النضير؛ لأنهم انضموا بكل طاقتهم إلى يهود خيبر.



وإذا كنا قد رأينا من قبل أن كل التعاملات اليهودية مع الرسول صلى الله عليه وسلم -بلا استثناء- كان فيها خيانة وغدر وكيد وتدبير مؤامرات تلو المؤامرات، فإن يهود خيبر لم يخالفوا هذه القاعدة، مع أن عَلاقة يهود خيبر بالرسول صلى الله عليه وسلم لم تكن مباشرة كالقبائل اليهودية الثلاث، إلا أنهم لم يكفوا عن محاولتهم بالكيد للدولة الإسلامية الموجودة في المدينة المنورة.



وكان من أخطر محاولات ومؤامرات خيبر مؤامرة جمع القبائل العربية المختلفة لحرب المسلمين في المدينة المنورة، فيما عُرف بغزوة الأحزاب، وكوَّن يهود خيبر وفدًا كبيرًا جدًّا مكوَّنًا من عشرين زعيمًا من زعماء خيبر بالاشتراك مع بعض زعماء بني النضير، وبدءوا يجمعون القبائل العربية الكبرى مثل قريش وغطفان وغيرها لتحفيز هذه القبائل لحرب المسلمين، مع أنه لم تكن هناك علاقة مباشرة بين يهود خيبر ورسول الله صلى الله عليه وسلم . ولم يكتفِ يهود خيبر بدور التنسيق بين الأحزاب بل بذلوا المال أيضًا، فقد اتفقوا مع قبائل غطفان على أن يدفعوا لهم نصف ثمار خيبر؛ وذلك حتى يدفعوهم دفعًا لاستئصال المسلمين.



ونحن نعلم أن قبائل غطفان مثل المرتزقة يحاربون بالمال، لقد ضحت خيبر بنصف ثمارها حتى تدفع غطفان لحرب المسلمين، وكان لهم دور كبير جدًّا في إقناع بني قريظة بخيانة عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأوشك هذا الأمر أن يؤدي إلى كارثة حقيقية، لولا أن الله لطف بعباده المؤمنين. ورغم فشل الأحزاب في غزو المدينة إلا أن يهود خيبر لم يكفوا قَطُّ عن محاولاتهم المضنية لإيذاء المسلمين، وثبت أنهم قاموا بالتخابر مع المنافقين في المدينة المنورة حتى يدبروا مؤامرات كيديَّة بالمسلمين، ووصل الأمر إلى محاولة اغتيال الرسول .صلى الله عليه وسلم



فهذا التاريخ الطويل من الكيد والدسِّ والمؤامرات كان يحتاج إلى وقفة من المسلمين، وكان من الأفضل أن تكون الوقفة بعد غزوة الأحزاب مباشرة، ولكن هذا لم يكن متيسرًا في ذلك الوقت؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يخشى أن تباغت قريش المدينة المنورة في أي لحظة، فمن الممكن أن تجمع العرب من جديد، وتحاصر المدينة المنورة وتقتحمها، إضافةً إلى أن الرسول لا يريد أن يترك المدينة المنورة بدون جند، وخاصةً أن حصون خيبر كانت شديدة الحصانة والقوة، وأعداد اليهود كانت كبيرة، والرسول صلى الله عليه وسلم كان متوقعًا أن فتح خيبر سوف يأخذ وقتًا طويلاً؛ لذلك لم يكن يريد أن يترك المدينة حتى يأمن جانب قريش؛ ولذلك أَجَّل قضية يهود خيبر حتى تأتي الفرصة المناسبة.


الظروف تتهيأ لفتح خيبر

جاء الوقت الذي ينتظره الرسول صلى الله عليه وسلم ، فبعد صلح الحديبية تغيرت الأوضاع، وأمن الرسول جانب قريش، فقد وضعت الحرب -كما تعلمون- بين الدولتين مدةَ عشر سنوات كاملة، وكان أول شيء فكر فيه الرسول بعد صلح الحديبية هو التوجُّه إلى خيبر؛ وذلك من أجل استغلال هذه الهدنة التي عقدها مع قريش في تأمين المدينة المنورة. وكان الرسول صلى الله عليه وسلم سريعًا في الخروج إلى خيبر، لدرجة أنه خرج بعد أقل من شهر من عودته من صلح الحديبية، فقد خرج في محرم سنة 7هـ إلى خيبر لفتحها.


الأسباب التي جعلت الرسول صلى الله عليه وسلم يسارع بفتح خيبر

كانت هذه السرعة لأهدافٍ يريدها الرسول صلى الله عليه وسلم :

1- كان يريد حفظ كرامة الأمة الإسلامية، فلا يتأخر الثأر لكرامتها كثيرًا، ووقفت الظروف سنة كاملة أمام تأديب اليهود على كيدهم للمسلمين، والظروف قد انتهت الآن، فلا بد من الإسراع لحفظ كرامة الأمة الإسلامية بالردِّ على اليهود.



2- كان الرسول لا يأمن غدر قريش وحلفائها؛ لذلك يريد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يأخذ هذه الخطوة قبل أن تفكر قريش في الغدر أو تستعد له. ومنها أيضًا أن خبر صلح الحديبية وصل حتمًا إلى يهود خيبر، وقد يتوقعون هجومًا من المسلمين، فكان الإسراع أفضل قبل أن يستعدَّ اليهود.



3- أراد رسول الله أن يرفع معنويات المسلمين المنكسرة بعد صلح الحديبية؛ لأنهم لا يدركون الخير من وراء هذا الصلح، فأراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يعوضهم بهذا الفتح القريب.



4- وفوق كل هذه الأسباب أن الله تبارك وتعالى كان قد بشَّر المؤمنين أن هناك مغانم كثيرة سيحققونها بعد صلح الحديبية، ونزل هذا في سورة الفتح التي نزلت بعد الصلح، ولعل هذه الغنائم تكون غنائم خيبر، كما قال الله تعالى في سورة الفتح: {وَعَدَكُمُ اللهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا} [الفتح: 20].

أي صلح الحديبية، والمغانم الكثيرة هي مغانم خيبر، وغير خيبر من الفتوحات الإسلامية التي جاءت بعد هذا الصلح العظيم.


الرسول صلى الله عليه وسلم يحتاط من غدر المنافقين

كان الرسول صلى الله عليه وسلم يخاف من خيانة المنافقين في داخل المدينة المنورة، وقلنا قبل ذلك إن المنافقين كانوا يتعاملون مع اليهود، وكانت العلاقة بينهما حميمة من أيام بني قينقاع وبني النضير وبني قريظة، والآن ثبت أنهم يتعاملون أيضًا مع يهود خيبر، والرسول صلى الله عليه وسلم لا يريد من المنافقين أن يخرجوا معه في هذا الجيش، فماذا يفعل؟ فهو لا يستطيع أن يقول للمنافقين لا تخرجوا؛ لأن النفاق هذا أمر قلبي، فأعلن الرسول أنه لا يخرج إلى خيبر إلا من شهد صلح الحديبية، وبذلك ضمن أن كل من سيشارك في فتح خيبر سيكون من المؤمنين؛ لأن هذه المجموعة التي شاركت في صلح الحديبية جميعها من المؤمنين، كما قال الله : {لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح: 18].

فهؤلاء جميعًا مشهود لهم بالإيمان، وخرج الرسول صلى الله عليه وسلم بألف وأربعمائة مقاتل، وهم الذين كانوا في صلح الحديبية، ونحن قد رأينا أن الصفَّ المؤمن إذا كان خالصًا نقيًّا مؤمنًا فإن الله يعطي له النصر، وهذا الصف -وهو خارج من المدينة- يعلم أن نصر الله سيحالفهم؛ فخرج هذا الجيش العظيم بهذه الروح الطيبة المتفائلة، برغم أنهم سيحاربون أعدادًا ضخمة، فأعداد اليهود كانت أضعاف أضعاف الجيش الإسلامي، ومع ذلك خرج الكل بتصميم على أن النصر -إن شاء الله- سيكون في ركاب المسلمين، يقول الله جل فى علاه في كتابه الكريم: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 249].
التحالف بين المنافقين واليهود وغطفان

وخرج الجيش الإسلامي، وكما توقع الرسول صلى الله عليه وسلم أرسل المنافقون إلى يهود خيبر يخبرونهم بقدوم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى خيبر، بل شجَّعوهم على قتال الرسول صلى الله عليه وسلم ، وقالوا لهم: لا تخافوا منهم، فإن عددكم وعُدَّتَكم كثيرة، وقوم محمد شرذمة قليلون، لا سلاح معهم إلا قليل.



ووصلت الرسالة إلى أهل خيبر، واستعدَّ أهل خيبر، ولم يكتفوا بالاستعداد والتحصن، بل أرسلوا أحد زعماء اليهود -وكان اسمه كِنانة بن أبي الحُقَيْق، وهو أخو سَلاَم بن أبي الحقيق الذي قُتل من عدة أشهر على أيدي المسلمين- إلى قبائل غطفان، وهي قبائل مرتزقة، وتقاتل من أجل الأموال، وعرضوا عليهم المال؛ لكي يساعدوهم ويعاونوهم في حرب المسلمين، وعرضوا عليهم نصف ثمار خيبر. وبالفعل بدأت قبائل غطفان في الاستعداد للخروج في اتجاه خيبر، وأعدوا جيشًا كبيرًا جدًّا لهذا الأمر، وبفضل الله اكتشفت مخابرات الرسول صلى الله عليه وسلم هذا التحرُّك لغطفان، وبسرعة أخذ الرسول عدة قرارات حتى يأمن عملية اجتياح خيبر:



1- أخرج رسول الله سرية بقيادة أَبَان بن سعيدٍرضى الله عنه في اتجاه أعراب نجد حتى يثير الرهبة في هذه المنطقة، فلا تجرؤ غطفان ولا غير غطفان على مهاجمة المدينة المنورة؛ لأن المدينة -كما نعلم- خالية تقريبًا من الرجال، فأمَّن الرسول بذلك المدينة المنورة.



2- أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم سرية في الشمال الشرقي إلى ديار غطفان؛ ليوهم جيش غطفان أنه سيغزو ديار غطفان وليس ديار اليهود، وأمر هذه السرية أن تُظهِر أمرها، وأن تظهر شأنها ولا تتخفَّى، وتُحدِث صوتًا عاليًا حتى تلفت أنظار جيش غطفان ويعودوا إلى ديارهم، ولا يشتركوا مع يهود خيبر في الدفاع عن خيبر. وبالفعل عندما سمع جيش غطفان وراءه الصوت، انطلق مسرعًا راجعًا إلى دياره، وترك يهود خيبر في حرب الرسول صلى الله عليه وسلم منفردين.



3- وغيَّر الرسول صلى الله عليه وسلم الطريق المعروف لدخول خيبر، وأخذ بعض الأَدِلَّة لتدله على طريق آخر؛ ليدخل خيبر من شمالها وليس من جنوبها؛ لأننا نعرف أن المدينة المنورة في جنوب خيبر، فبدلاً من أن يدخل خيبر من الجنوب، دخلها من الشمال، وحقق بذلك شيئين:



أولاً: سيحول بين غطفان وبين خيبر بجيشه.


ثانيًا: سيمنع اليهود من الفرار إلى الشام، فيحصر اليهود في منطقة خيبر؛ لأن الطريق إلى الشمال سيكون مغلقًا بالجيش الإسلامي.

فكان التخطيط العسكري على أعلى مستوى، وتظهر في الجيش الإسلامي ملامح الجيش المنصور؛ فالجيش بكامله من المؤمنين الصادقين كما رأينا، حتى لو كان هؤلاء قلة، فإنهم ينتصرون بإذن الله . والجيش كله مرتبط ارتباطًا وثيقًا، ويجمعهم رباط العقيدة، ونحن قد رأينا غطفان وهي تتخلى عن اليهود؛ لأنه لا يجمعهم غير المصالح الدنيوية، أما الجيش الإسلامي الذي يتكون من قبائل الأنصار والمهاجرين وغير ذلك من القبائل التي دخلت مع الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة، يجمعهم الإيمان بالله ، والحرص على الشهادة في سبيل الله.



أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم بالأسباب، وأعَدَّ الخُطَّة والعُدَّة والخطط البديلة، وتغيير الاتجاه وإرسال العيون؛ وبذلك أخذ المسلمون بأسباب النصر المادية.


المسلمون يتوجهون إلى خيبر

اقترب الرسول صلى الله عليه وسلم من خيبر، وكان هذا الاقتراب في الليل، والرسول كان من عادته ألاّ يقاتل بالليل، فكان ينتظر حتى يأتي الفجر، ثم يقاتل بعد الفجر ؛ فاختار مكانًا قريبًا من خيبر وعسكر فيه، وكان هذا المكان قريبًا من مجموعة حصون موجودة في خيبر اسمها حصون النَّطَاة، ولكن جاء إليه الحُبَاب بن المُنْذِر كرم الله وجهه، وقال له: إن هذا المنزل قريب من حصن النطاة، وهم يدرون أحوالنا ونحن لا ندري أحوالهم، وسهامهم تصل إلينا، وسهامنا لا تصل إليهم، ولا نأمن من بَيَاتهم. وأيضًا هذا المكان بين النخلات، وهو غائر وأرض وَخِيمة، ومن الممكن أن يتسلل اليهود من خلال النخيل، ولا يدرك المسلمون هذا التسلل، ولو أمرت بمكان خالٍ عن هذه المفاسد نتخذه معسكرًا. فقال : "أَشَرْتَ بِالرَّأْيِ"[1].

الرسول يعطي الراية لعلي بن أبي طالب




غزوة خيبرقام الرسول صلى الله عليه وسلم وخطب في الناس، وقال لهم: "لأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلاً يُحِبُّ اللَّهَ، وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ". إن الرجل الذي يفتح الله على يديه البلاد، ويمكَّن له في الأرض، وينصره على أعدائه، لا بد لهذه الشخصية أن تكون مُحبِّة لله ، ولرسوله ، وهذا لا يأتي إلا بموافقة تامَّة للشرع، وبصدق كامل؛ لأن الله مُطَّلِع على القلوب، ولا يعطي نصره إلا لمن أحب، وهذا يحدث في كل مراحل التمكين في حياه الأمة الإسلامية، وفي كل انتصارات الأمة الإسلامية؛ فإذا رأيت أن الله نصر خالد بن الوليد كرم الله وجهه، أو نصر عمرو بن العاص، أو نصر صلاح الدين الأيوبي، أو نصر سيف الدين قطز، أو يوسف بن تاشفين، أو أي إنسان مُكِّن له في الأرض، فاعْلَمْ أن هذه علامة من علامات حب الله لهذا العبد، وأن الله سيفتح على يديه، وإذا أراد الله بعبدٍ خيرًا فلا رادَّ لفضله. وحين قال الرسول هذه الكلمات، وأصبح في اليوم الثاني حتى يُعطِي الراية لمن وعد، قام كل الصحابة متشوِّقين لحمل هذه الراية، فقال صلى الله عليه وسلم : "أَيْنَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ؟".



فقال الناس: يا رسول الله، هو يشتكي عينيه.



فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى علي بن أبي طالب، وكان عنده رمدٌ في عينيه، وكان لا يرى إلا بصعوبة، وقال الناس: يا رسول الله، إنه مريض في عينيه. وأصرَّ الرسول صلى الله عليه وسلم مع ذلك على الإتيان بعليٍّ رضى الله عنه ووضع الرسول على عينيه من ريقه، وسبحان الله! بَرِئ علي بن أبي طالب وأصبح يرى كأن لم يكن به أي مرض، وأعطاه الراية. وكان الجميع يرون أن ظروف علي بن أبي طالب لا تسمح له بالقيادة، ولكن الله يسَّر له ذلك الأمر، فلو كان الإنسان صادقًا فسوف يفتح الله له أبواب العمل، وإن كان الظاهر هو وجود المعوِّقات الكثيرة، يقول تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69].
الرسول صلى الله عليه وسلم يأمر علي بن أبي طالب بدعوة اليهود إلى الإسلام

مع كل الجرائم التي فعلها اليهود، وذلك التاريخ الأسود لهم مع المسلمين، إلا أن الرسول كان حريصًا على هدايتهم، ودخولهم في نور الإسلام. قال علي بن أبي طالب : "يا رسول الله، أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا".



ولننظر إلى عظمة الإسلام، ورحمة الإسلام، وحرصه على هداية كل البشر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب موضِّحًا الغاية من الحرب في الإسلام، قال : "انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلاَمِ، وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ، فَوَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ"[1].


وهنا الرسول صلى الله عليه وسلم يعلمنا أن إسلام هؤلاء اليهود أحب إلينا من أموالهم ومن ديارهم، وأحب إلينا من سلطانهم، وأحب إلينا من كل شيء؛ فمع كل التاريخ الأسود لليهود، ومع كل المحاولات المضنية التي بذلوها لاستئصال المدينة المنورة، إلا أن الرسول كان حريصًا أكبر الحرص على إسلامهم وعلى هدايتهم إلى ربِّ العالمين . واقترب الجيش الإسلامي من لحظة البداية، وصلى المسلمون الصبح، وبدأ بعدها الجيش الإسلامي في التحرك في اتجاه خيبر، وكان اليهود حول حصون خيبر يزرعون في المزارع، فرأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم والجيش معه، فقالوا: "محمد والله، محمد والخميس ورجعوا هاربين إلى مدينتهم، وأغلقوا الأبواب عليهم.



وصاح الرسول صلى الله عليه وسلم صيحةً عالية سمعها الجيش بكامله، وسمعها كذلك اليهود، فقال: "اللَّهُ أَكْبَرُ! اللَّهُ أَكْبَرُ! خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ، فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ"


وهذه الكلمات كانت تلقي بظلال مهمَّة على الجيشيْنِ الإسلامي واليهودي؛ لأنها تُذَكِّر المسلمين بأن النصر من عند الله ، وتذكِّرهم بالله قبل أن يبدءوا القتال. ثم إنه يقول لهم: إن الله هو الناصر، وهو أكبر من أيِّ عدو، وإن كنتم ترون حصون خيبر وسلاح خيبر وأعداد خيبر أكثر بكثير من المسلمين، فإن الله معنا، وهو ناصرنا عليهم إن شاء الله. وهذا الأمر قد رفع الروح المعنوية عند المسلمين، وذكرهم بأيام الله ، وبانتصارهم في بدر والأحزاب، أما اليهود فقد ألقت هذه الكلمات الرعب في قلوبهم.


المسلمون يضربون الحصار على خيبر

وصل الصحابة -رضوان الله عليهم- إلى خيبر، وبدأ الرسول صلى الله عليه وسلم يدرس الموقف، فمن أيِّ الحصون يدخل خيبر؟ فخيبر عبارة عن منطقة ذات حصون كثيرة، وفيها الحصون الكبيرة والحصون الصغيرة، والحصون الكبيرة ثمانية حصون رئيسية؛ فخمسة من هذه الحصون في منطقة، وثلاثة في منطقة أخرى، والخمسة حصون الأولى هي خط الدفاع الاستراتيجي الأول لليهود، وتنقسم إلى: ثلاثة في منطقة تسمى النَّطَاة، واثنين في منطقة تسمى الشَّق، أما حصون النطاة فكانوا بالترتيب الآتي: ناعم، ثم الصعب بن معاذ، ثم قلعة الزبير. وكان حصن ناعم من الحصون القوية في خيبر، واقترب الرسول صلى الله عليه وسلم من هذا الحصن، وأرسل علي بن أبي طالب ليدعوهم إلى الإسلام.



وهنا لا يجب أن يقول قائل: إنه لا إكراه في الدين، فلماذا يدعوهم إلى الإسلام ثم إذا رفضوا حاربهم؟ إن الحرب هنا ليست عقابًا لليهود على تركهم للإسلام، وليست عقابًا لهم على رفض الدعوة الإسلامية، ولكن الرسول جاء من المدينة المنورة إلى خيبر ليعاقب اليهود على جرائمهم المتعددة السابقة، وعلى تحزيبهم الأحزاب وحصارهم للمدينة المنورة، وعلى تخابرهم مع المنافقين في داخل المدينة المنورة، وعلى محاولتهم اغتيال الرسول ، وعلى تحفيزهم لغطفان أكثر من مرة على حرب المسلمين؛ فلذلك قرر أن يقاتلهم وأن يعاقبهم، ولكنه يريد أن يعطيهم فرصة أخيرة ليرفعوا عن أنفسهم العقاب الذي يستحقونه، فقال: إن أسلمتم رفعنا عنكم العقاب، ونسينا كل ما سبق. وهذه سعة صدر ورحمة من رسول الله ، ولكن اليهود رفضوا هذه الدعوة، ورفضوا دعوة علي بن أبي طالب لدخولهم في الإسلام، وقرروا الحرب، واغتروا بقوتهم وأعدادهم وحصونهم.


المبارزة بين عامر بن الأكوع ومَرْحَب اليهودي

لم يستجب اليهود لدعوة المسلمين لهم بالدخول في الإسلام، وأصروا على القتال، بل أخرجوا أحد قادتهم الكبار ليحارب المسلمين، وكانت عادة الحروب القديمة أن يبدأ القتال بمبارزة بين فارسين من كلا الجيشين، والمنتصر في هذه المبارزة يُعطي دفعة معنوية كبيرة لفريقه إن انتصر في هذه اللحظات الأولى من القتال؛ أخرج اليهود أحد أبطالهم، وكان من أشد الفرسان في تاريخ العرب بصفة عامَّة، وهذا الرجل كان اسمه مَرْحَبًا، وكان رجلاً عملاقًا ضخم الجثة، وخرج للقتال وطلب المبارزة، فخرج له عامر بن الأكوع t، وسَرْعان ما دارت المبارزة بين الاثنين، وضرب عامر بن الأكوع مَرْحبًا اليهوديّ ضربة كبيرة، ولكن الضربة طاشت ولم تصل إلى مَرْحَب، وأكملت الطريق إلى رُكبة عامر فَقُتل بسيفه، فاستشهد رضى الله عنه، فقال الصحابة: قد قتل نفسه. وتأثر الصحابة بهذا الموقف، بل وصل الأمر إلى أن بعض الصحابة قالوا: حبط عمله. وكأنه قتل نفسه بإرادته.



ولكن الرسول علق بعد ذلك على هذه الحادثة، وأثنى على عامر بن الأكوع ، وقال : "إِنَّ لَهُ لَأَجْرَيْنِ"، وجمع بين إصبعيه ، ثم قال: "إِنَّهُ لَجَاهِدٌ مُجَاهِدٌ، قَلَّ عَرَبِيٌّ مَشَى بِهَا مِثْلُهُ"

ولكن ما حدث كان في الحقيقة أزمة، وحدث نوع من الهزَّة عند المسلمين، وارتفعت الروح المعنوية عند اليهود، ووقف مَرْحَب القائد اليهودي يطلب القتال من جديد بعد أن ارتفعت معنوياته في هذه اللحظات الأولى من القتال، فخرج له البطل الإسلامي علي بن أبي طالب رضى الله عنه حامل راية المسلمين في موقعة خيبر، ودار بينهما قتال شديد عنيف، ثم مَنَّ الله على علي بن أبي طالب بالنصر، كما تنبأ بذلك الرسول ، وقتل علي بن أبي طالب مَرْحبًا، وكان قتله إشارة كبيرة إلى أن النصر سيكون للمسلمين إن شاء الله؛ لأن هذا الرجل كان أقوى رجلٍ في اليهود، وكان اليهود لا يتخيلون أبدًا أن يقتله أحدٌ من المسلمين. وخرج أخو مرحب -وكان اسمه ياسرًا وكان يريد الثأر لأخيه، وكان من عمالقة اليهود أيضًا- يطلب القتال، فخرج له الزبير بن العوام tكرم الله وجهه، واستطاع الزبير بن العوام أن يقتل ياسرًا أخا مَرْحب، وكان ذلك بداية الانتصار للمسلمين.


احتدام القتال وسقوط حصن ناعم في يد المسلمين

احتدم اللقاء بين الصحابة وبين اليهود، فهذا اللقاء لم يكن ساعة أو ساعتين، ولكنه استمر عِدَّةَ أيام متصلة، وهذا غريب في عُرْف القتال؛ فكما رأينا قبل ذلك في بدر وفي أُحد وفي غيرها كان اللقاء يومًا واحدًا، ولكن في هذا اللقاء الشديد دارت المعركة أكثر من يوم حتى تسلل اليهود من حصن ناعم وتركوه فارغًا للمسلمين، وكان هذا التسلل ليلاً، وانتقلوا إلى الحصن الذي وراءه، وتحصنوا في حصن الصعب بن معاذ، واحتل المسلمون حصن ناعم، وكان هذا إضافةً كبيرة للجيش الإسلامي في موقعة خيبر، فهل اكتفى بهذا النصر في هذه المعركة؟



لا؛ لأن الرؤية عند الرسول صلى الله عليه وسلم واضحة تمامًا، فقد جاء لينتقم من أفعال اليهود وخياناتهم المتكررة للمسلمين، وليخرج اليهود من خيبر كما أخرج قبل ذلك يهود بني قينقاع وبني النضير وبني قريظة من المدينة المنورة. وتوجه الرسولصلى الله عليه وسلم إلى حصن الصعب، وحاصر الحصن حصارًا شديدًا، وكان حصن الصعب بن معاذ أشد خطورةً وصعوبة من حصن ناعم، وأحكم المسلمون الحصار على حصن الصعب بن معاذ.


تحريم الحُمُر الأهلية في خيبر

ومع أن الحصار كان شديدًا، ومع أن فتنة الحرب كانت كبيرة، إلا أن الله أراد أن يبتلي المؤمنين، فأوقعهم في أمر صعب إلى جوار صعوبة الحرب، وهو أمر الجوع؛ إذْ دخل المسلمون في جوع شديد جدًّا لدرجة أن الصحابة رضوان الله عليهم قالوا: لقد جهدنا وما بأيدينا من شيء. فالموقف أصبح حرجًا للغاية.



وعندما ازداد الجوع على المسلمين، قام بعض رجال الجيش الإسلامي بذبح بعض الحمير للأكل. والحقيقة أن العرب كانت تأكل الحمير في ظروف معينة، ولم يكن الأمر محرمًا على المسلمين في ذلك الوقت، ونصبوا القدور، ولم يكن هذا بعلم الرسول ، ولما رأى الرسول النيران مشتعلة قال: "عَلَى أَيِّ شَيْءٍ تُوقِدُونَ؟".



فهو يعلم أنه ليس مع الجيش لحم يطبخ، ولا شيء يوقد عليه نار، فقالوا: يا رسول الله، نوقد هذه النيران على لحم. فقال: "أَيُّ لَحْمٍ؟" فقالوا: لحوم الحُمُر. يعني لحوم الحمر التي تُستخدم في النقل، وهذه الحمير لم تكن محرَّمة على المسلمين حتى هذه اللحظة، ولكن الرسول في هذا الموقف الصعب قام ونَهَى عن أكل لحوم الحُمُر الأهليَّة، وقال: "لاَ تَأْكُلُوا مِنْ لُحُومِ الْحُمُرِ شَيْئًا وَأَهْرِقُوهَا"


وإنه لموقف صعب حقًّا، فالصحابة في ضائقةٍ وجوع شديد، وبدأت اللحوم تنضج ورائحة اللحوم بدأت تظهر، والصحابة متشوِّقون للأكل، ثم أتى النهي من عند رسول الله . وهذا النهي لا ينصاع له إلا مؤمن كامل الإيمان، وبفضل الله فإن جميع الجيش -بلا استثناء- قد نجح في هذا الاختبار، ولم يأكل أحد من هذه اللحوم، بل إن الرسول لم يكتفِ بتحريم الأكل من لحوم الحُمُر الإنسيَّة، وإنما قال: "أَهْرِيقُوهَا[7] واكْسِرُوهَا"؛ ليختفي كل أثر لهذه اللحوم، فسأل بعض الصحابة: أَوْ نُهَرِيقُهَا وَنَغْسِلُهَا؟ يعني بدل الكسر نغسل القدور، فقال : "أَوْ ذَاكَ

وقَبِل بغسل القدور. إن هذا التحريم جاء في وقت يحتاج فيه الجيش إلى هذا الأكل، ومن الواضح أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يرى أن موقف الصحابة لم يصل بعد إلى موقف الاضطرار، أي ما زالت هناك فرصة أن يعيشوا بدون طعام فترة من الزمان، وإلا اضطر المسلمون لأكل أيِّ شيء حتى الميتة، وهذا مباح في أوقات الضرورة فقط. إنها التربية الإيمانية العالية! وهذا من أعظم أسباب النصر.


السنة النبوية هي المصدر الثاني للتشريع

إن هذا التحريم الذي جاء على لسان الرسول ، لم يأتِ في القرآن الكريم؛ فالله ذكر في القرآن الكريم أنواعًا كثيرة من المحرمات على المسلمين، قال تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلاَمِ} [المائدة: 3].



وغير ذلك من المحرمات التي ذكرها الله في القرآن الكريم. وتحريم الحمر الأهلية لم يأتِ في كتاب الله ، وجاء في السنة النبوية فقط، وفي ذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم حديثًا، من الواضح أنه قاله بعد أحداث غزوة خيبر، قال في خُطبةٍ ذات يوم للصحابة، ومن الواضح أيضًا أن بعض المنافقين كان قد ادَّعى أنه يُكتفى بالقرآن الكريم فقط، أو أن الرسول قد تنبَّأ بأنه سيأتي زمان على المسلمين يدَّعِي فيه بعضهم أن القرآن الكريم يكفيهم دون سُنَّة النبي صلى الله عليه وسلم ؛ يقول فيما روى أبو داود عن المقدام بن معد يكرب t قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أَلاَ إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ، أَلاَ يُوشِكُ رَجُلٌ شَبْعَانُ عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ: عَلَيْكُمْ بِهَذَا الْقُرْآنِ، فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلاَلٍ فَأَحِلُّوهُ، وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ. أَلاَ لاَ يَحِلُّ لَكُمُ الْحِمَارُ الأَهْليُّ، وَلاَ كُلُّ ذِي نَابٍ مِنَ السَّبُعِ..."[9].

وذكر أنواعًا أخرى من المحرمات، والذي يجمع كل هذه المحرمات يجد أنها لم تأتِ في كتاب الله جل وعلى ومع ذلك فهي محرمة على المسلمين بتحريم الرسول لها، فثبت الحكم عند المسلمين، وهذا من أبلغ الأدلة لكون السنة النبوية مصدرًا مهمًّا من مصادر التشريع الإسلامي.


الرسول صلى الله عليه وسلم يتوجه بالدعاء إلى الله

في هذه الأزمة الكبيرة وبعد استجابة الصحابة رضوان الله عليهم لأمر الرسول ، لجأ المسلمون لجوءًا كاملاً إلى الله ، وهذا من أبلغ الفوائد في الأزمات، لجوء المسلمين الصادقين إلى الله ؛ ليفتح لهم أبواب الرحمة. ووقف المسلمون يدعون مع الرسول ، هو يدعو وهم يؤمِّنون، فقال : "اللَّهُمَّ إِنَّكَ قَدْ عَرَفْتَ حَالَهُمْ وَأَنْ لَيْسَتْ بِهِمْ قُوَّةٌ، وَأَنْ لَيْسَ بِيَدِي شَيْءٌ أُعْطِيهِمْ إِيَّاهُ، فَافْتَحْ عَلَيْهِمْ أَعْظَمَ حُصُونِهَا عَنْهُمْ غَنَاءً، وَأَكْثَرَهَا طَعَامًا وَوَدَكًا[/COLOR وانتهى من دعائه.


سقوط حصن الصعب وقلعة الزبير في يد المسلمين

وبفضل لجوء المسلمين إلى الله ، جاء النصر من السماء؛ ففي اليوم التالي فتح الله عليهم حصن الصعب بن معاذ، وهذا من أغنى حصون خيبر بالطعام والشراب، وما لذَّ من ألوان الطعام المختلفة، ووجدوا فيه الطعام والوَدَك كما دعا رسول الله ، وأكل الناس وشبعوا واستكملوا الحرب، ثم انتقلوا بعد ذلك إلى حصن قلعة الزبير، وهو الحصن الثالث في المنطقة؛ وحصن قلعة الزبير من أمنع الحصون أيضًا في هذه المنطقة، وكما يقول الرواة: لا تقدر عليه الخيل والرجال؛ لأنه فوق قمة جبل ومن الصعب الوصول إليه.



وفرض الرسول صلى الله عليه وسلم عليه الحصار، وظل الحصار ثلاثة أيام، ثم ألقى الله الرعب في قلب رجل من اليهود فأتى وتسلل من الحصن، وجاء إلى الرسول وطلب الأمان، وقال له: يا أبا القاسم، إنك لو أقمت شهرًا تحاصرهم ما بالوا بك، إن لهم شرابًا وعيونًا تحت الأرض، يخرجون بالليل ويشربون منها، ثم يرجعون إلى قلعتهم دون أن يشعر المسلمون بهم. وقال اليهودي: فإن قطعت مشربهم عليهم خرجوا لك؛ لأنهم لا يستطيعون أن يعيشوا من غير ماء. فوصل الرسول إلى هذه المياه وقطعها عن اليهود، فخرجوا إليه وقاتلوا قتالاً شديدًا، واستمر القتال حتى انتصر المسلمون وافتتحت قلعة الزبير، وكان القتال في منتهى الضراوة


وكما نرى فإن كل حصن عليه حصار عدة أيام ثم هربٌ من حصن إلى الحصن الذي بعده. والحقيقة أن هذه الحصون كانت مبنية بمهارة عجيبة، فكل حصن يسلم إلى الحصن التالي، وبذلك فتح الرسول الحصون الثلاثة الأولى، وهي حصن ناعم والصعب بن معاذ والزبير، وكانوا في منطقة تسمى النطاة. وبهذا نرى أن نصر الله يأتي بعد أن يستنفد المسلمون كل أسباب العمل، وقد لا تؤدي هذه الأسباب إلى النصر بذاتها، بل كثيرًا ما يحدث ذلك الأمر عندما يعجز المسلمون تمامًا، كما فعل الله في بدر والأحزاب، وجنود الله كثيرة، كما قال سبحانه: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ} [المدثر: 31].

وكان أحد جنود الرحمن في موقعة خيبر ذلك اليهودي، وهو ما زال يهوديًّا، ولا نعلم أنه قد أسلم ولكنه على يهوديته، أتى رسولَ الله وكشف سر قلعة الزبير، {وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} [آل عمران: 126].

وغيَّر المسلمون المكان إلى المكان الذي أشار به الحباب بن المنذر t، وهو نفس الموقف الذي قام به الحباب قبل ذلك في موقعة بدر، وبذلك نرى عظمة النبي في الأخذ بمبدأ الشورى، وأخذ الرأي، وكيف كان ذلك سببًا في النصر. وبالفعل استقر الرسول وجيشه في المكان الجديد.


خالص ودى وتقديرى
http://www.habebe.net/vb/t40851.html
__________________
للدخول الى الدردشة الكتابية اضغط هنا

تنبيه:
لا تقرأ وترحل .. شارك معنا لكي تفيد وتستفيد


رد مع اقتباس
إضافة رد


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:32 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.10 Beta 1
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc. Trans by
حميع الخقوق محفوظة © لـ منتديات العاشق 2009 - 2022